تصميم غلاف: سارة عثمان
إشراف: مسعى نور الهدى.
الإهداء
إلى كل الخيبات والعقبات التي جعلت منا جيشا يثمر بالقوة
إلى كل من أراد أن يكون مصدر عرقلة تقف أمام أهدافنا والى من راهن بفشلنا فنحن عند باب السقوط نفتح بابا آخر للنهوض
إلى كل من آلمنا وأذانا فنحن نصنع من دائكم دواء
الى قرة عيني أمي والى سندي عند ضعفي أبي
وإلى إخوتي النور الذي ينير دربي والى أحبتي
مقدمة كتاب حروف شتوية
وفي صباح من فصلك ،صباح تتطاير فيه قطرات المطر لتحط على نافذتي الصغيرة، لربما أرادت أن تسحر عيناي بجمالها .
لأفتح نافذة غرفتي وأستقبل نسمات البرد تلمس جسدي وتجعلني آخذ نفسا عميقا كله إحساس وهدوء.
مع رائحة القهوة التي تجعلني أعشق جمال المنظر وقراءة رواية تجعلني ضائعة بين الخيال والواقع .
فصل گأنه يسرد البرد بمعزوفة ملحونة لتسقط الأغاني من تلك الغيوم الجميلة على الأرض والجدران لترسم أشكالا من عطرها ورونقها .
دمت أيها الشتاء ملجأ الحب والمشاعر والأمن والسلام.
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
اقباسات من كتاب " حروف شتوية "
ديسمبري عاشق
استيقظت والعرق يعتلي معالمي رغم برودة الجو ....لم أعتد أن أسهو في النوم ...لقد كانت التكبيرة الاولى من الآذان توقظ حواسي ...جلست برهة استمع لسكون ليل الشتاء ...وسمفونية الحطب يحترق ويناشد زخات المطر خارجا...توضأت ثم أديت فرضي بكل خشوع ... لقد عشقت صلاة الفجر وزادني عشقا أصبوحات المطر ووقعها على تفاصيل كوخي. ذلك الفجر لمت نفسي كثيرا لأنها فاتتني التكبيرة الأولى منذ عشاء تلك الليلة لم أسمح لتكبيرة الفجر الاولى أن تطلق بعيدة عن مسمعي...أتعبني اللوم ورجعت ذكراي الى حيث طردتها ذات مرة...خرجت وقد راقت لي فكرة السير تحت ذبذبات الضباب الصباحي...أغلقت الباب ...تجاذبت أطراف الطريق بين طرقات أقدامي التي أحدثت موسيقى راقية في تلاحمها مع قطرات المطر المتمايلة على ثوبي الخفيف وخصلاتي القصيرة ثم مآبها إلى بحيرات هنا وهناك ....لم أشعر بنفسي وانا أمشي ...كان الشارع مليئا بالشتاء ...كانت الأجواء الديسمبرية تحدث ميلادها عند كل زاوية .....دق صوت الموج على اذناي وكان كالبلسم لهما من نسيم فجر نوفمبر....نعم... البحر ؛طالما كانت تلك الأمواج تحدث بصمة عريقة الشكل في روحي...
جلست على حافة قاربي المفضل راح فرس عيناي يلوح بين فراغات البحر والفجر والمطر المتناسق.. أتعلم! كان الموج في اشتياق جارف للشاطئ وكانت حبات المطر تواسي اشتياقه... كان النسيم كعطر الأم ...أخذ مفعوله على معالم وجهي لكنه كان محببا لدرجة لا تطيق كلماتي الوصف...استسلمت بعض خصلاتي وبدأت تعلمني أن المطر بدأ يتضاعف بين حبة وأخرى...رفعت رأسي عاليا وبدأت استقبال المطر كأن ديسمبر" شهر هيامي "يريد مواساتي بقيت هكذا مدة من الزمن استسلمت دموعي أخيرا واختلط عبقها بحنان الرذاذ ...منذ عامين لم أسمح لرموشي ان تبتل إلا بتلك الزخات لكن اليوم أعلنت الخسارة...وضعت رأسي بين يداي ...هبت بعض الوريقات الخريفية تنساب هنا وهناك الى أن اختفت ...كأنها تقولي لقد فاتني الخريف لكن تركني هنا لأعلمك يا ديسمبريُّ أن كل شيء سيمضي ستأتي في الشتاء القادم إلى هنا وتتذكر عبوري هذا وتخيط ذكراك بمرور الأسى من خضراوتيك...ابتسمت في شحوب رغم احمرار معالمي من قسح النسيم....جررت أذيال الاختناق خلفي في تلك الطرقات المبتلة جلست في دكان صغيرة احتسي قهوة الصباح ومازال المطر في رومانسية مع زجاج النافذة ....هيهات وبدأت زهور الثلج تطبع شكلها على الزجاج...تذوب واحدة فتنبت اخرى محلها...ممتعة أشكالها تارة تشكل حرف الفاء وتارة أخرى تشكل حرف الباء علمت من تلقاء أشكالها أنها تخبرني بأن ديسمبر من تبناها....نظرت الى قهوتي التي لا بد انها بردت في طعمها لكن انعكاس الزجاج المرصع بالثلوج مازال ينمق أطراف الفنجان بكل وقار...ارتفع حمل الثلوج على جوانب الطرقات لقد كان الجو أشبه بزجاجة فاقت قيم الوقار...تعدى الوقت منتصف النهار ولم تتحرك عيناي الديسمبرية من زجاج النافذة...بدأت خيوط الشمس تخترق ستار رموشي معلنة عن دورها...نعم انها شمس ديسمبرية شامخة يلهم اشراقها بالحياة...دبت خيوطها بين فراغات عشق الثلوج للمساحات...لعل تضيء بصيرتنا لجمال ديسمبر ..لم توقظني من سهوي سوى تكبيرة الظهر ...سرت والثلوج تتناغم تحت أقدامي في سمفونية أراحت قلبي قليلا ثم كثيرا...عهدت الى أقرب مسجد أديت فرضي ...ثم عدت لرحلتي مع جو ديسمبري أصيل غابت فيه تلك الخيوك معلنة عن دورة صقيع جديدة...منذ سهوي عن تكبيرة الفجر الأولى والصمت يحكم سلاسله على حلقي فقط أجواء ديسمبر من تسيطر على أفكاري ...حبيبتي هذا الديسمبر الخامس العشر منذ فراقك منذ احتواء التراب لجمال عينيك...ربما تعلقي بجمال ديسمبر سببه انك تشبهين لياليه الساكنة الدافئة...15 نوفمبر لم يمر منهم واحد إلا وعشت أجواءه الأخاذة لم أشأ ان تعيشي وحدك على صوت رذاذ المطر وهدوء الثلوج وعبرات الوريقات تحت وقع النسيم ها أنا أشاركك شهر غيابك وأحيي شهد جمالك به وفيه خرج من المقبرة حيث دفنت أوصالها في يوم ديسمبري كهذا .
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
فصل الذكريات
• في مثل هذه الليالي الباردة تعانقني السماء من جديد تحاول مواساتي لكنها لا تستمر إلا في خنقي لازلت لم أعتد على هذه الظلمة الحالكة رغم سقوطي بها منذ مدة ولا معنى لأي شيء فقد ذبلت كل الألوان لم أعد أرى سوى السواد يخنق روحي ظانا منه أنه أنيسي، و تتساقط حبات الثلج الأبيض لتخترق عالمي تتهاوى نحو صدري لكنها لا تفلح في تغيير عتمة خافقي هي فقط تبهر بصيرتي تجعلني مسحورة بها فكيف لسماء سوداء سواد قلبي أن تحرر لآلأ ببياض روح مولود أعلن صراخه من جديد؟ وتطرق قطرات المطر على زجاج نافذتي لتنساب ببطء مخلفة آثارا رقيقة خلفها و لربما لا تعلم كم شدت انتباهي نحوها ولربما هي تعلم وتستمتع بنظراتي إليها وتتعمد السقوط أمامي لكن الأهم أنها أخرجتني من شرودي العميق الذي لم تفلح لفحات البرد القارص أن تخرجني منه شتاء أسرني الشتاء ببرده الذي أتدفأ منه بوشاحي القطني لقد حاكته لي جدتي منذ صغري أتمسك به بقوة كأنه يحميني من كل سوء وحقا هو يفعل إنه يحميني من كل نزلة برد قد تصيبني أمر تافه لكنه يروقني أحس بحضنها يلف رقبتي وبدفء قلبها يجتاح روحي أما عن تلك القطرات التي تبلل ملابسي كلما كنت عائدة من الخارج لقد أحببتها في سري فأنا ممتنة لها على دوام فهي تشعرني بالحرية فكما تتحرر من السحاب أحس أنني بقادرة على التحرر من قيودي هذا الذي لم تستلطفه أمي التي ما أفتؤ أخطو داخل المنزل حتى توبخني مخافة أن أمرض ولا يمكنني أن أنسى حينما يتورد أنفي بلطف ويتجمد من البرد أعشق هذا الشعور وقد يسحبني الشتاء كثيرا من نفسي بحركاته التي يتعمد فعلها مطر ثلج برد ...لكنه في الآن ذاته يغرقني في ذكرياتي السالفة حينما أغلق باب غرفتي تحديدا قرب نافذتي أغرق بين أولئك الأشخاص وفي تلك الأماكن خارج حدود هذه الغرفة في مخيلتي ينتابني اسم جديد له فصل الذكريات ألا يناسبه أكثر؟.
رعشة ذكرى:
تنهمر قطرات المطر بسرعة، وكأنها قد اشتاقت لملامسة الأرض، كحبيبين افترقا لسنوات وأخيرا حان وقت لقائهما و احتضانهما بعضهما البعض بشغف، صوت تصادم المطر بالأرض يعلن بداية ألحان وإيقاعات رفقة صوت الرعود و ديسكو البرق، تتراقص على إثرهم الأشجار هنا وهناك، وكأن الطبيعة تحتفل بقدوم فصل الذكريات و الآهات، فصل تحتضر في وسطه أمنيات و في آخره تولد أخرى. كم أن باقي الفصول باردة ولعلها أكثر برودة من فصل الشتاء، فقليلا ما تزور الذكريات ارواحنا فيها، أما ففصل الشتاء الباب يظل مفتوحا دائما-لكثرة دق الباب مرارا-، تزورنا ذكرى تبكي وتريد ان تتجدد وتعود للحياة إنها الذكريات الجميلة التي يرغب الجميع في عيشها مرة أخرى، ثم تأتي ذكرى قد شاخت وهي تطالب بالتكفل بمراسيم دفنها قرب زوجها الذي مات الشتاء الفارط إنها ذكرى ذلك الحلم الذي ولد معنا وبقى راسخا الى حين انقطعت كل السبل في الوصول اليه واراد ان يرقد اخيرا بسلام ليفسح مكانا اخرا لولادة ذكرى جديدة، لم يتوقف الزوار ابدا وهذا ما احدث ازدحاما داخل هذا المنزل الصغير وهذا بدوره ما ولد حرارة هنا، الشتاء أدفأ الفصول حقا، لقد جاءت تلك الذكرى المتذمرة والتي تطالب بإعادة ادماجها ضمن باقي الذكريات التي ستولد قريبا، نعم إنها ذكرى تلك الامنية التي قال لنا الجميع اننا لن ننالها مهما فعلت ولكنها لم تيأس ولن تيأس رائحة البن تنبعث في المكان فجأة، وصوت الرعد يزداد بشكل جميل، اضواء البرق وهي لا تنقطع وكأننا في وضح النهار، قطرات المطر تطرق النوافذ وكأنها تريد اختراقها ثم تطلب مساعدة من حبات البرد، فجأة يهدأ المكان وتصطف جميع الذكريات جانبا لتمر فتاة شابة منحنية الظهر نحيفة الجسم ذات شعر اسود قصير وذات بياض بشرة اشبه بثلج لم يسقط بعد وكأنها نزلت لتسبقه، بيديها المرتعشتان كوب قهوة وهي تتجه نحوي، تأتي وتجلس بهدوء ثم تغادر جميع الذكريات دون سابق انذار، ويصبح المكان مخيفا وهي ترمقني بنظرة لا استطيع فهمها، مر على رمقها لي ربع ساعة وهي لا تزال صامتة و كأنها تريد الاستماع لي هي، أخاطب نفسي خشية ألا تستمع لي هذه الغريبة: 'حسنا تهدئي و إبدي بالحديث انت.. "، إذن من أنت؟ لماذا أتيت الى هنا!، تمتلأ عيناها دمعا ثم تعقد حاجباها بغضب وتحمر أعينها الصغيرة، ثم تعود لحالتها الاولى بعد ان ترتشف من كوب القهوة وترمي ببصرها داخل ذلك الكوب المرتعش، او هي من ترتعش نعم هي وكأنها خائفة من شيء ما او مني انا!،كل شيء اصبح مريب، انظر اليها وانا بالنسبة لها كأني غير موجودة، مندهشة بالكوب بيدها، ثم ترفع رأسها باكية كأنها طفل صغير وهي ترتعش، وكأن احدا سرق منها معطفها في ليلة عاصفة، أحاول فهم ما يحدث وسبب بكائها، ولكن لا جدوى، ثم اخيرا تتفوه ببضعة كلمات حتى و إن كانت لا تفهم: 'أنتِ السبب، لقد حدث كل ذلك بسببكِ،، أنانية...''، احاول ترتيب وفهم ما قالته ولكن هذا فقط ما استطعت التقاطه من بين بعثراتها تلك، تقف وترحل بسرعة آخذتا معها رائحة القهوة الزكية، رغم ابقائها للكوب هنا، لم افهم ما حدث من هي تلك الذكرى؟! ماذا تقصد ولما نعتتني بكل ذاك؟؟...، اااه حسنا فهمت الان، تلك ذكرى مخاوفي التي لا طالما هربت منها واقعا، واتناساها خوفا منها وخجلا من إخراجها امام البشر، تلك الذكرى هي أنا....
فأنا كل سنة ألتقي بذاتي، ولكني انسى ذلك...! لقد كنت هنا، ارتعش... رعشة ذكى.