recent
أخبار ساخنة

أماتتني زيجة - قصة قصيرة تأليف حسام محرم | موقع أسرد |

Asrud-publishing
الصفحة الرئيسية

 أماتتني زيجة

قصة قصيرة حزينة
بقلم/ حسام محرم



قراءة القصة

لقد فقدت عضُدي وسندي الأوحد "أبي" منذ الصغر، نشأت وحدي تماماً، لم أكن كثير الاختلاط بمن هم في مثل عمري خشيةً أن أسبب لأحدهم ما يؤلمه فيحضر لي أباه ليوبخني .. وقتها مَن كنت سأُحضر؟؛ كنت أوزِّعُ نظرات الحسرة بين جموع الأباء والأبناء معا؛ كان انفتارُ قلبي الأكبر عند رؤيتي لشخصٍ يدلل ابنه، يمسكه على مهلٍ ويلقي به ف الهواء ثم يهوي فيتلقفه برفق. لم أكن اشتاق لأبي حينها كشخص، بل كنت أشتاق لحنينه، لدفئه، للأمان الذي افتقدته حقاً بعد رحيله، كَبِرتُ واشتَدّ عودي وانتصب جزعي وقضيت ريعان شبابي بين تلطيم الأيام لي، تارة أكن في أقصى بقاع الأرض خلواً من المشاعر وتارة أجد نفسي بين من يظهرون أنهم يحبونني، لم أكن أغتر بزيف ظاهرهم فكنت أعلم حق العلم أنهم يُشفقونَ عليَّ فقط، فأرسم ابتسامةً بلهاء على وجهي أقابلهم بها وكان الحمقى الأنانيين يصدقون، لم أُكِنُّ مشاعراً لأحدٍ فيهم قط، كنت أبغض تصنعهم جميعاً؛ الأشدُ إيلاماً بين كل ما مررت به هو رحيل أمي بعد تمامي عقدين من العمر .. توفِّيَتْ بعد بلوغي العام العشرون بيومين، كانت طمتيَ الكبرى؛ ظللت أصرخ وأصرخ حتى اختفى صوتي، أردت بكاء بياضُ عينيَّ حزنا عليها، كان قلبي يتفتت ألماً على مسكني الوحيد، كنت أريد الارتماء بين أحضانها والبكاء .. أردتها حقا أن تمسد لي شعري وتربِتُ على كتفي وتخبرني أن العالم غدا سيكون أجمل، ولكنها رحلت كما رحل أبي، تركني القدر وحيداً فلم يكن لي أخوةً أشدُدُ بهم أزري، لم أُصادق مَن أُشركه في أمري. وبقي الأمر على حاله ذلك، أستيقظ لأعمل وأنهي العمل لأخلد للنوم، كنت قد ازدت عزلة، أسمع همسات الجميع عني بمدى حزني وكم يجب أن أتحسن، لم يمر أحدهم بدقيقةٍ ألم مما مررت به، كنت ألعن شفاهَهُم.
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا.

كان كل شيء يسير بعادته إلى أن جلست أمامي بابتسامتها، فور رؤيتي لها ابتسمتُ! بدون حديث، بدون سماع صوتها، بدون إدلائها بأي كلمة .. ابتسامتها فقط قد أسرتني، جلسَت واعتدَلت ثم أخرجت بعض الأوراق ووضعتها أمامي، وفي لحظةِ بدئها الحديث توقف العالم من حولي عن إصدار أيّ صوتٍ سوى نغمات فمها؛ قلت في نفسي متعجباً " يا إلهي، قد تجَلمدت!"، تمنيت أن أمتلك الجرأة الكافية لأخبرها بأن المدير كان سيجعلني مدرباً لأحدٍ ما لكن لم يخبرني بأنه القمر!، وبمرور الأيامِ والتطور الطبيعي للكلام اتخذتها أماً وأباً، كنت أشعر أنها تحنو على قلبي حتى يذوب بين كلماتها، بسببها فقط استطعتُ الابتسام من جديد، لم أجد مستقبلي سوى معها، قررت أن أدخل المنزل من أوسع أبوابه، فما المانع فأنا ميسور الحال فلم التردد؟، فلديَّ من المال الكثير ونعمٌ من المولى تعدَّدت، فعزِمتُ على أن تكو زوجةً لي فذهبت لأباها، وحددتُ موعداً لذيارتهم، وفي الموعد المحدد كنت في أبهى حُلةً لدي، فارتديت بنطالاً وقميصاً كانا لأبي، وساعةً أهدتها لي أمي، وكان قلبي مغرداً من سعادته، فذهبت لمنزل لصةَ قلبي ووجدت أباها في انتظاري وأول ما سألني عنه عند جلوسي هو أبويَّ! فقال لي:
- أخبرني .. أين أبويك ولِما لم تُحضر أحدهما على الأقل معك؟
أجبته بوفاتهما فتهجَّم وجهه! أصارت الوفاةُ عيباً بين البشر؟!؛ لبِثنا ثوانٍ صامتين لكنهم مرّوا كالقرن! فاختفى سرور قلبي وتبدلَ ريبةً وقلق فأردت تحطيم حاجز الصمت وأخبرته بسبب قدومي وأني أريد ابنته زوجةً لي وموافقتي على جميع مطالبه مسبقا بدون علمٍ لي بها ولكنه رفض أن يزوجني إياها! فسألت في حسرةٍ لما؟! فأخبرني صراحةً بسبب وفاة والدي!، يريد لأحفاده رؤية أجدادهم؛ صِحت فيه غاضبا وحدثته بما لا يسرُ ولا يُرضي فطُردتُ من المنزل؛ وقتها فقط أدركت كم يمكن للإنسان أن يكون أسوء من حيوانٍ بري نشأ بين الضباع والثعالبِ فلم يتعلم سوى الخبث والمكر، أن أسوءَ عدوٌ للإنسانِ هو الإنسانُ نفسه، وقتها شعرت وكأن الكون كلَّه وُضِعَ فوق صدري، هُشِّمَ فؤادي حينها وأصبت بالصممِ وظللت على حالي حتى لحقتُ بوالديَّ...
كونوا خِفافاً لا تثقلوا كواهل الآخرين بثقل حديثكم، فالكمةِ يمكن أن تدفع أحدهم لقتل نفسه ويمكنها أن تُنجيه من ذلك بينما هو عازمٌ عليه، أحسن اختيار كلماتِكَ تنلَ الدنيا والآخرة؛ تذكر دوما أن موعد رحيلك غير معلوم، وأنه قد حُدِدَ لك مسبقاً فاترك أثرا طيباً يتذكرك لاحقوكَ بالحسنى.

تذكر أنك قرأت هذا على موقع 
قصص موقع أسرد 
author-img
Asrud-publishing

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent