" مثلٌ أعلى "
إشراف: مريم حفّاف
تصميم غلاف: كوكي أنور
مقدمة كتاب " مثل أعلى "
المقدمة:
الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِِينِ حَمْدَ مَنْ يَحْيَ عَلَى فَضْلِهِ، ويَفْتَقِرُ إِلَى المَزِيدِ مِنْ عَطَائِهِ، سُبْحَانَهُ لاَ رَادًّا لِفَضْلِهِ وَلاَ مُعْقِبٌ لِحُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ لاَ إِلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صَلّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمْ، وعَلَى آلِهِ الطَيِّبِينْ الطَّاهِرِينَ، وبَعْدْ:
يُقال عن الرّجل إنّه ليس بخائِن، لكنّه حنون، عطوف، يحبّ كلّ النّساء، وطموح، يريد الكثير.
ويُقال عن المرأة إنّها نِصف الرّجل، وهِي شريكة حياتِه، تسأل كثيرا، وتُجيب قليلا، تعشق نادرا، وتُسافر بعيدا، لا تكترث بالماضي، تُفكّر في الغد، وتستمتِع بالحاضِر.
وأينما بُني الفِعل للمجهول (على شاكِلة "يُقال")، بقي محطّ نِقاشٍ ومُجادلة، وعليه كي نُثبت أحقيّة ما قيل سابقا عن الرّجل والمرأة، عزّمنا إلى إنجاز هذه الدّراسة؛ فكتابنا هذا بمثابة دِراسة شُموليّة، تحوي مجموعة من القِصص، الخواطِر والمقالات التي تتناول الرّجل بقضيّة ظلمٍ تارة، والمرأة تارة أخرى.
نسمّي كتابنا هذا كتابا مُجمعا؛ لأنّه يجمع ما بين دفتّيه نُصوصا كثيرة، لنُخبةٍ مِن الكاتِبين المُبتدِئين، والسّبب الرئيسيّ لعملِ مثلِ هكذا كُتُب هو مُحاولة الجمع بين أساليب أدبيّة مُختلفة، أفكارٍ مُختلفة، وسيناريوهاتٍ مُختلفة، لأشخاصٍ يفكّرون بطريقة مختلفة عن بعضهم البعض، وبما أنّ موضوع الكِتاب يتحدّث عن ظُلمِ الرّجل للمرأة مِن جِهة، وظُلم المرأة للرّجل مِن جهة أخرى، وبِمحاولةِ الرّبط بين هذه النّقطة (موضوع الكِتاب)، وبين نقطة أخرى -ليست أقلّ أهميّة منها- وهي أنّ مُعظم المشاركين من فِئة الإناث، والغريب هنا أنّهنّ قد كتبن عن ظلم النّساء للرّجال بشكلٍ طبيعيّ، قِصصا ذواتِ عبرٍ، وخواطِر توقظ ضمير المتبقيّات منهنّ، هذا الأمر الذي يبعث التّفاؤل في قلوبنا؛ أنْ مازالت هناك نساء واعيات يبعثن على حُسن التربية والتّخلّق، خاصّة وأنّ المرأة هي من تُنجب نِصف المُجتمع، وتُربي النّصف الآخر.
يحمِل كِتابنا هذا عنوان "مثلٌ أعلى"، وقد تمّ اختياره ليُوقع أثرا على ذِهن القارئ حين يسمعه، وكي تكون النّصوص الوارِدة فيه بمثابة عبرٍ يجب الاستعانة بها في حياتنا اليومية بالفعل، وليس مجرّد كتابٍ نقرأ نصوصه على عجلةٍ، أو نقرأها تفاخرا كي نسمّي أنفسنا قُرّاء كُتُب.
وعليه تكمن أهميّة هذا الموضوع في محاولة إيقاظ وعي الغافِلين مِن أولِياء المُستقبل، والذين يعتقدون أنّ الزواج خاتم ذهبٍ، وزِفافٍ، ولِباسٍ، وشهر عسلٍ، وينسون في المُقابل مجموعة الواجبات، والمسؤوليات التي يجب أن توضع على كاهِل كلّ منهما.
وقد كان سبب اختيارنا لهذا الموضوع –بالدّرجة الأولى- ما آل إليه مُجتمعنا، ما صارت تعجّ به المحاكم من قضايا الطّلاق في وطنِنا، هذا غير أنانيّة الأهل، وعدم تحمّل مسؤوليّتهم التامّة اتّجاه أبنائهم، قبل وبعد تقدّمهم نحو خطوة مهمّة كهذه، ثمّ تجرّد الأبناء –الذين صاروا أولياء- من مسؤوليّة أبنائهم النّاتجين عن ذلك الزّواج الفاشل، وباختصار شديد، كان سبب اختيارنا لهذا الموضوع هو خُروجِنا عن صمتِنا، وحديثِنا بلسان الأطفال الذين تيتّموا، وتشرّدوا، وضاعوا بسبب أهلٍ مهملين كهؤلاء.
انطلقنا في دِراستنا هذه من كتابِ الطبيب النّفسيّ، والفيلسوف الأمريكيّ "جون غراي"؛ "الرِّجال من المريخ والنّساء من الزّهرة"، وهو كتاب رائعٌ للغاية، يتناول فيه صاحبه مُجمل الفروقات التي يمكن حصرها بين الرّجال والنّساء، والذي –حسب ظنّه وظنّنا- يستطيع مُساعدة الشّباب المُقاربين على الزواج في فهم الجِنس الآخر، ولو بالشّيء القليل، البسيط.
ومِنه، فسؤالنا الوحيد، الذي أردنا أن نصل به لنتيجة هو:
- هل سيعزم كلّ مِن الرِّجال والنّساء على إصلاح ذواتِهم؛ للاندماج مع بعضهم البعض كي يتحسّن وضع المجتمع، ومنه يتحسّن المستقبل بأكمله -بإذن الله تعالى-؟
وكي نُجيب عن هذه الإشكاليّة، قسمنا متن الكتاب منهجياّ إلى مقدّمة، فَصلين، وخاتِمة.
تناولنا في المقدّمة مدخلا تمهيديّا، وجُملة من العناصر الأساسية المتعلّقة بمتنِ الكتاب.
وكان الفصل الأول يتناول قضيّة ظُلم الرّجل للمرأة، فتمّت عنونته ب: "عودوا إلى المريخ".
أمّا الفصل الثاني فيتناول قضيّة ظُلم المرأة للرّجل، فتمّت عنونته ب: "الزّهرة لا تناسبكنّ".
أمّا الخاتمة فهي خلاصة ما تعلّمناه من كافّة النّصوص.
ورتّبنا داخل كلّ فصلٍ النّصوص التّابعة إليه؛ ابتداء من القِصص، إلى الخواطِر، ثمّ المقالات التي تحوي مجموعة من النّصائح، والتّوجيهات، والتي يمكن اعتبارها بمثابة الخُلاصة العامّة لكلّ فصل.
دون أن ننسى عنصر التّعليق؛ بحيث أنّنا قد أدرجنا بعض التّعليقات في الهامش، على بعض النّصوص، في بعض المواضع التي استدعت ذلك؛ كأن نُعارِض فِكرة، ونشرح أخرى، دون أن نُحدِث تغييرا على نصّ صاحِبه.
كما أنّ هناك نُصوصا قد وجدنا أنّ لغتها غير صالحة للقِراءة (إمّا أنّ تعبيرها ركيكاً، أو أنّها مكتوبة بالعاميّة، وهذا غير مقبول البتّة)، ولذلك أعدنا صياغتها لغوياّ، مُحتفظين بفكرتها الأساسيّة، وتسلسلاتِ الأحداث فيها، مُوضّحين ذلك في آخر كلّ نصٍّ بعد عبارة (بتصرّف).
تمّ تدقيق نُصوص الكتاب على مرحلتين؛ في المرحلة الأولى: تدقيقها لغوياّ، وإملائيّا، وفي المرحلة الثانيّة: تمّ تصحيح النّصوص لغوياّ، وفكرياّ؛ ومكمن الفرق بين التّدقيق والتّصحيح، أنّ الأوّل سطحيّ لا تعمّق فيه؛ بحيث تتمّ المحافظة فيه على ذات التّعبيرات، وذات المفردات، مع تقديمها وتأخيرها، وتصحيحها إملائيّا -إن لزم الأمر ذلك-، أمّا الثاني فعميق لا سطحيّة فيه، يكون بتصحيح التّعبير، وتحوير الفكرة الخاطئة، وتصحيحها، وتغيير المفردات التي لا تنزل منازلها الصحيحة...الخ.
وقد اعتمدنا في كتابنا هذا على قاعدة مكتبيّة مُساعِدة لنا في دعم ما جِئنا به، والتي مِن أهمّها القرآن الكريم؛ وذلك من خِلال الاستشهاد بجملة من الآيات القرآنيّة، في المواضع النصيّة المقاليّة التي تستدعي ذلك، مع مجموعة من الأحاديث النبويّة الشريفة التي تخدم موضوع كلّ نص وغايته.
وفي الخِتام، نُقدِّم شكرا خاصاّ للمُدقِّقة اللّغويّة "فاطِمة زَهرة بن سعيد" على مساعدتها لنا في تدقيق نُصوص هذا الكِتاب.
دون أن ننسى دار النّشر التي وافقت على نشرِ هذا الكِتاب، وطِباعته لنا.
ثمّ، قد تمّ هذا العمل في رعاية الله وحفظه، فإن أصبنا فمن الله التّوفيق، وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان.
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
اقتباسات من كتاب " "
الاقتباس الأول:
تِرياق:
خُلقت المرأة من ضلع آدم، وهي مخلوق رقيق، حسّاس، عاطفيّ، أنثويّ، وحلم كلّ رجل، ونقصد هنا كلّ أنواع الرجال؛ الحسن منهم، والسيء ذو الخلق الذميم، وما تحمله من خفايا، قد تعود بالسّلب أو بالإيجاب على المرأة، ويبقى هذا المخلوق الرقيق نقطة ضعف الرّجل.
إنّها مخلوق ترضيه كلمة شكر، ووردة من القلب، وكلمة حبّ، ولطف، إنّها مخلوق بسيط، تجرحه كلمة سيئة، وتؤذيه نظرة غريبة عن العادة، تفني نصف عمرها لإرضاء والديها، والنّصف الآخر لإرضاء زوجها، ويا لِظُلم الرجال هنا، لا أقصد بكلامي هذا كلّ الرّجال؛ بل أصناف منهم، أصناف بعيدة كلّ البعد عن الدّين والأخلاق، والضحية –دائما- هي المرأة.
إنّ كلّ ما يصيب المرأة، مِن جرّاء أعمال محيطها الخارجيّ، يقود بها إلى هلاكٍ داخليّ، إلى جفافٍ عاطفيّ، إلى الذلّ، وإلى المهان...، فيا هل ترى ما أصناف الرّجال المعروفة عموما؟ وما مدى خطورتها على المرأة؟ وكيف تتمّ معالجتها؟ وهل لها دواء أصلا؟
تنهار المرأة بسبب أوّل نوع من الرجال؛ وهو الرّجل الخائن، المعتاد على النّساء، والذي لا يستطيع الاكتفاء بامرأة واحدة، الرّجل الذي يتراقص على أنغام خلاخِل النساء غير زوجته، وهذا النوع تحديدا منتشر بكثرة في وقتنا الحاليّ، يقضي حياته في البحث عمّا هي أحسن من الأخرى، وعمّا هي أجمل من الأخرى، وعادة ما يتزوّج هذا النوع من امرأة جميلة، حنونة، لطيفة ، يحارب للحصول عليها، وعندما يظفر بها، يبدي لها حقيقته البشعة، والتي كانت مختبئة خلف الستار؛ من تغزّل بالنساء، وتكلّم معهم، ونظرات تخلوا من الحياء، كل هذا، يصبح فيما بعد أمام العلن، وأمام زوجته، وهذا ما يقودها إلى الهلاك، إلى الإحساس بالنقص، وإلى فقدان الثّقة بالنّفس .
غالبا ما يكون سبب تكاثر هذا النوع من الرجال أصدقاؤه؛ يحرّكون مشاعره وأحاسيسه بكلمات شكرٍ، مدحٍ، وتغزّل بالنساء، هؤلاء هم أصدقاء السّوء بشحمهم ولحمهم.
كما نجد سببا آخر لتكاثره، ليس أهون من سابقه، وهنّ النّساء المتلاعبات بقلوب الرّجال، هذا النوع من النّساء خطير جدا؛ حيث أنّهنّ يحمن بالرّجل سهل المنال، ولكنّهنّ لسن أكثر خطورة من ذلك الرّجل، الجائع، الذي يغريه التّعري، ونظرات النّساء؛ بخلاف الرّجل المؤدّب، المتخلّق، والذي لو كان محاطا بكافّة أنواع التبرج لن تملأ عيناه غير أنثاه.
إنّ القضاء على هذا النوع من الرّجال لا يكون إلاّ بيد الزّوجة، نعم، إنّها الوحيدة التي تستطيع تغييره إلى ما تريد؛ علّميه يا عزيزتي غضّ البصر، وعلّميه نعمة غضّ البصر، فوالله لن يعجب بامرأة غيرك، ولن تملأ عينه امرأة غيرك، كما على كل رجل أن يتقي الله في أمّه، أخته، زوجته وابنته، ويغض بصره، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﱠ النور: ٣٠، دون أن ننسى نصيحة رسول الله عليه الصلاة والسلام عن نظرة الفجأة، حيث قال: {اصرِف بصرَك، فإنّما لك الأولى، وليس لك الأخرى}.
أختي العزيزة، علّميه أنّ للمتبرّجات عقاب شديد، وأنّك الجوهرة الستّارة لنفسها، كما يجب على هذا الرجل أن يعتاد على الصلاة، والزّكاة، وقراءة القرآن، وسماع الخطابات الدينية التي تحثّ للحفاظ على حقوق الزوجة، وأهمية الزوجة الصالحة، وحقوقها التي وهبها لها الدّين الإسلاميّ .
سيّدتي، كوني لزوجك صديقة، وأختا، وحبيبة، كوني له كل شيء، واعتني بنفسك جيداً، وحتما لن يبحث عن شيء غيرك، باختصارٍ شديد، أحبّي نفسك أكثر يحبّك، ويعشقك دون بذلِ جهد.
وتبقى المرأة تحت رداء الضّعف بسببٍ من الرّجل النرجسيّ، المغرور، الرّجل الذي يظن نفسه أجمل، وأوسم، وأحسن، وأغلى من امرأته، هذا النوع من الرجال هو أغباهم على وجه الأرض، وذلك لأنّه يقارن نفسه بامرأة .
قد يكون السبب الأوّل لغرور هذا الصّنف هو الدلال الزائد منذ الصغر، وقد ينتج عن مبالغة الزوجة في شكره، والافتخار به، وبوسامته.
هذا النوع تحديدا يا عزيزتي، يجب أن يقمع، يجب أن تتوقفي عن المبالغة في الاهتمام به، وتولي الاهتمام بنفسك.
على هذا الرجل –بوجه الخصوص- أن يتأمّل ديننا؛ الذي نهى عن التكبر، والغرور، ويعلم أنّ صاحب هاتين الصفتين لا يدخل الجنة، ولا يشمم ريحها حتى، لقوله صلى الله عليه وسلم: {بينما رجل يتبختر، يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة}.
المرأة مخلوق ضعيف، تُجرح، وتتدمّر بسبب الرّجل صاحب سوء النّية، هذا النوع هو من أكثر أنواع الرجال خبثا في العالم، يتستر وراء شيء اسمه "الحبّ"؛ لينال رغبته، ويشبع غريزته، هو يظن أن الأنثى سهلة المنال؛ لأنها تبحث عن الحب، عن الحنان، عن الاهتمام، والأمان ، فذاك الذّئب الجائع يعلم جيّدا طريقه التي يتوجّب عليه السير فيه لينال نواياه السيئة، ولا يكون ذلك إلاّ بعد التظاهر بالحب الشديد، والاهتمام المزيف اتّجاه الضحيّة.
يجب على المرأة أن تنتبه من هذا النوع.
حبيبتي، باختصار شديد، انتبهي من أيّ رجل لا تربطك به علاقة شرعية، كوني حريصة على شرفك، وعفّتك، وإياك أن تقدّمي له نفسك تحت مسمى الحبّ، لأنّها سوف تنتهي بمأساتك أنت، وليس هو.
أختي، لك حق الاختيار، فاختاري بعناية، اختبري، فكري جيّدا، ولا تعطي قلبك لأيّ شخص قال لك: "أنا أحبك"، أعلم أن أكثر الفتيات في سنّ الشباب يشعرن بفراغٍ عاطفيّ شديد، وهذا ما يدفعهنّ إلى الارتباط بأيّ رجلٍ كان، حسنا، لنفترض أنّك قد أصبحتِ على علاقة معه، ولكن، احترمي حدود الله، ولا تجعلي نفسك سهلة المنال، اجعليه يحارب لكي ينالكِ، ولو كانت محض لمسةٍ منك في الحلال، وهذا ما سيدفعه ليخطو خطوة نحو باب منزلك، لأنّ أكثر الفتيات اللّواتي وقعن في فخ هذا النوع من الرجال، وقدمن شرفهنّ له من جرّاء حبّهنّ الشديد، قد عمين على قلوبهنّ، وفي الأخير، انتهى بهنّ المطاف خاسرات، فاقدات لشرفهنّ.
أختاه، حافظي على نفسك، وعلى شرفك، اجعلي علاقتك بأيّ رجل لا تقتصر إلاّ على العمل، أو على الدّراسة فقط، إن لزم الأمر ذلك، واحفظِ نفسك لذلك الشّجاع، الذي سوف يطرق باب منزلك ليحظى بك زوجة له في الحلال، فهو فقط من يستحقّك، لقوله صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج}.
خُلاصة كلامي أوجه فيها خطابا للمرأة والرجل على حدّ سواء:
عزيزتي، المسلمة، العفيفة، الطاهرة، أنت محور الكون، ولذلك اجعلي من نفسك كنزا لا يؤخذ إلا تحت مسمى الحلال، فإن أخذك في الحلال ظلِّ على ثباتك مع الله عزّ وجلّ، وعلى حبّك لنفسك، حفاظك على مظهرك، وجمالك.
خذي قلب زوجك بكل سلاسة ومرونة، بكلّ حبّ وأمان، وهكذا سوف تغيّريه للأحسن.
ضعي الأمور المناسبة في مكانها، واحذفي كل ما هو غير مناسب.
أخي، يا ابن آدم، المرأة تملك أطيب القلوب، ولذلك يجب أن تُحترم وتُصان، يجب أن تحظى بالاهتمام، بالحبّ، والعناية، اجعلها أختك التي تخاف عليها، وأمك التي تحترمها، وطفلتك التي تعتني بها، وحبيبتك التي تحبها، وزوجتك التي تحظى معها بحقك الشرعيّ، وحتما سوف تكون لك امرأة بأتمّ معنى الكلمة.
اكتفي بمن أحبّتك، اكتفي بامرأة واحدة، امرأة قلبك، واغضض بصرك عن الأخريات، فأنت لك ملكتهنّ، لقوله تعالى: ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﱠ الروم: ٢١.
يا معشر الرّجال، إن كنتم صادقين، فمرحبا بكم في كوكب الزهرة، كوكب النّساء الصادقات، و إن كنتم غير ذلك، فعودوا إلى المريخ، ذاك أحسن لكم ولنا.
الاقتباس الثاني:
صحوة ضمير:
أماني فتاة شقراء، رشيقة، وذات عينين زرقاوتين، لكنّها متمرِّدة، وتُثير المشاكل بعض الشّيء، تحبّ أن تكون ملِكة، وتجعل من النّاس خدماً لها، ولا أصدقاء لها بسبب أنانيّتها، وطبعِها الحادّ، وسوء تعاملها مع الآخرين..
ذات مرّة، وعلى طاولة العشاء، وبينما الكلّ يهمّ بالأكل، تكلّم والدها مُخاطبا والدتها: "لقد كنتُ جالسا مع أبي عمر اليوم، والذي هو صديقي من أيام الجامعة، وبينما كنّا نتحدثّ سويّا، أخبرني عن ابنِه عمر الذي يبلغ من العمرِ ثلاثين ربيعا، وأنّه شابٌّ خلوقٌ يريد طلب أماني للزّواج".
نطقت أماني: "أنا غير موافِقة".
ثمّ ردّت والِدتها: "اصمتي، واذهبي إلى غرفتِك..."
قامت أماني وهي غاضبة، مُردِّدة بأنْ هذه حياتها، وما لأحدٍ سلطة عليها فيها، وأنّها ستفعل ما تريد..
تكلّم والدها قائلا: "لا أعلم متى ستنضج هذه الفتاة وتتعلّم، فقد أصبحت متعجرِفة، إنّها ابنتنا الوحيدة، ولا أريد أن أفرِض عليها ما لا تريده".
ردّت الأمّ: "أنتَ من أثار هذا فيها، فقد كانت دائما ما تخطئ ولا تعاقبها، وتدعمها حتى في أخطائِها، فعليك إذن أن تتحمّل مسؤوليّتها، ماذا تريد منها أن تصير؟ فقد بلغت الثمانيّة والعشرين ربيعا من عمرها، وجميع الجارات قد تزوّجَت بناتهنّ سواها، وكم من عريسٍ رفضته.. فإلى متى..؟"
وقف الأب في حالة غضبٍ مُتّجها نحو غرفة ابنتِه، وفتح الباب، فإذا به يجدها ترقص غير مُباليّة، ناداها، لكنّها استمرّت بالرّقص، وقالت له ببرود: "لن أتزوّجه مهما حدث، وافعلوا ما تريدون..."
أثارت أماني غضب والدِها، ومِن دونِ أن يشعر، رفع يده عليها، وصفعها قائلا: "ستسمعين كلامي أيتّها المتعجرِفة، وستتزوّجينه، شئتِ أم أبيتِ".
ثم خرج مسرعا، تاركاً الأم وابنته تحت وقع الصّدمة، من ردّ فعلِه..
بقيت أماني مندهشة إلى ما صار عليه والدها بسببها، والذي لم يرفع يده، أو يصرخ عليها إلى غاية هذا اليوم.
جلست، وأخذت نفسا عميقا، ثمّ راحت تُفكّر، وتُحدّث نفسها، بقيّت لساعاتٍ تبحث عن سببٍ مقنعٍ لرفضها كلّ من يتقدّم إليها، فلم تجد ما يقنع قلبها الصّغير، وما يُرضي فُؤادها المفطور...
ها هي ذي أماني تتوقّف عن التّرفّع قليلا، وتترك المجال لبصيرتها، أن لعلّها ترى في أحدِهم مُؤنِس وحدتِها، ومنير ظلمتها...
"نعم سأوافق على مقابلته، وسأصغي إلى حديثه، وسأراقب حركاته، وإن وجدت فيه غير ما يرضيني، أتراجع، أمّا إذا كان خلوقاً، مكسواًّ بالفضيلة، وافقتُ عليه، لأسعد قلب والدي، ذلك الرّجل الذي جفّ ريقه من كثرة محاورتي، ومحاولة إرضائي، إنّه يستحقّ أن أكسِر شوكة تمرّدي فداءً له".
تواصل أماني رواية قصّتها قائلة: "بعد مقابلتي لذلك الشاب، والتحدّث معه، وجدته طموحا، عفويّا، وكوميديّا، بشوشٌ، طلِق الوجه، لا يكفّ عن المداعبة، والمشاغبة، باختصار.. هو نسختي الذّكوريّة، وتوأم روحي، الذي لطالما تمنّيت أن تجمعني به الدنيا..."
"موافقة"... "قلتها، نعم، قلتها وأنا أبتسِم بهدوء، فلم تسع الدّنيا بما رحِبَت فرحةَ والدَيّ، وصدمتِهما السّعيدة... عانقني والدي، ورفعني إلى السّماء متناسيّا آلام ظهرِه المُحودَب، أبصرته يعود صغيرا، وحينها أدركت أنّني من كنت أثقِل كاهله..."
واصلت حديثها: "مضى عام كاملٌ على زواجي، وفي كلّ يومٍ أكون فيه أسعد من سابقه... واليّوم تحديدا اكتشفت وجود أحدهم يسكن أحشائي".
الاقتباس الثالث:
معاناة في صمت:
في مجتمع، تُطلق الأحكام الظالمة، والأنثى، هي المتضرّر الوحيد مِن جرّاء تلك الأحكام.
يرى مجتمعي أنّها مجرّد آلة، ففي منزل والدها، -والذي –لربّما- لا يعرف للأبوة معنى-، يعوّدها أهلها، منذ صغرها، على أنّ طلبات شقيقها أوامر، بخلافها تماما، وهنا، يغيب العدل.
تُرهَق بأعمال المنزل كالعبيد تماماً، وفوق كلّ ذلك يتمّ حرمانها مِن حق التّعلّم، حق الحرية، حق إبداء الرأي...، ولا خيار لها في ذلك.
يوهمون أنفسهم بأنّهم مطبّقون لأحكام الله وحدوده، والتي لا وجود لها في حياتِهم، وأبرز ما يعرفون أنّ للذّكر مثل حظ الأنثيين.
إنّ الشيء البشع، الذي غزى على تفكير مجتمعيّ، هو الوصيّة التي تتضمّن دوما، وغالبا تجريد حقّ الأنثى من الميراث، ميراث والدِها، فكم مِن أنثى حرمت من حقّها، وأراضيها، وأملاكها، إنّها لظاهرة تعسّفيّة غاشِمة.
كم حارب العلماء العنصريّة، والعقليّة التعسّفيّة، لكنّنا اكتشفنا يوما بعد يوم استحالة تغيير فكر هذا المجتمع، ففكرة واحدة تغزو عقولهم وقلوبهم وهي الظّلم.
مجتمعيّ الذكوريّ صار يعتقد أنّ الرّجولة قوّة وعنف، ولم يدرك أنّ الرّجولة مواقف وليست بِقوّة.
كم ذرفت الأنثى من دموعٍ بسبب أشباه الرّجال، لكنّها لم تيأس، ولن تيأس، ظلّت صامِدة وستظلّ كذلك حتى النهاية.
في الأخير، يعزم والدها على تزويجها؛ ليتخلّص منها، ويوفّر المال لنفسه، معتقدا أنّ مصاريفها ستكلّفه الكثير، يقبل بأوّل خاطبٍ لها، دون استشارتها، لأنّها في نظر أهلها ناقصة عقلٍ ودين.
ترتدي الأبيض يوم زفافها، معتقدة أنّها ستتحرّر من فِكرٍ عتيقٍ، مُتخلِّفٍ، مريض، لكن هيهات، أن يصبح الموت أرحم من زواجٍ كذلك، زواجٍ لا يبدي لها فيه زوجها أيّ احترام؛ ضرب، تذليل، إهانات، ومعاناة لا متناهية، ناهيك عن العذاب النفسيّ الأليم الذي تتعرّض له.
تتحمّل المرأة الويلَ، الويلُ الذي لا يستطيع القلم تجسيده في سطور.
تُناضِل وتُناضِل، حتى تبقى أمنيتها الوحيدة، هي استنشاق بعضٍ من الأكسيجين.
وبعد سنوات، تكون قد أنجبت أطفالا صغارا تكافح مِن أجلهم، لكنّها لا تستطيع الصّمود أكثر.
أصبحت تشبه المومياء في شكلها؛ نتيجة الإرهاق، والتّعب.
وأخيرا، قرّرت الطلاق، فتلقّت المعارضة مِن قِبل أهلها، لكنّها تُصرّ على ذلك، وتفوز بقرارها لا محالة؛ لأنّها تدرك جيّدا حجم الضرر الذي تعيشه.
ها هي الآن تجمع أشياءها، وأطفالها، وتغادر تلك المقبرة الموحشة التي كانت تعيش فيها، وتعود إلى منزل أهلها، سترتاح مبدئياّ، لكنّ كلام المجتمع سيؤذيها فيها بعد؛ لن يهنِّئها على طلاقها أحد، بل سيقول عنها ما ليس فيها، سيصفها بكلماتٍ بذيئة، لأنّها لم تستسلم للذلّ، والإهانة، لأنّها دافعت عن نفسها وكرامتها صارت تبدو في نظر المجتمع سيئة، لأنّها لم تعش كما يريد هذا المجتمع المريض.
وأخيرا ترفع يديها إلى السماء وتدعو من ربّها الرّحمة والرّأفة بحالها، إذ لم تعد تملك ملجأ سواه سبحانه.
ها أنا ذا قد رفعت قلمي السليط، وكتبت كلماتٍ –لربّما- ستغيّر مصير أمّة، مصير امرأة ضعيفة مظلومة، لربّما ستحقّق المعجزات، ويسود العدل في مجتمعي الطاغي.
سنتعاقب جيلا بعد جيلٍ للنِّضال، والمطالبة بحقوق المرأة.
إنّها بشر مثلكم، وليست عبيدا عندكم، فقد عدا زمن العبوديّة، ونحن الآن في زمن التّطوّر والمضيّ قدما.
نحن المؤنسات الغاليات..
سلاما عليك يا حبيب الله المصطفى، سلاما عليك إنّك من عرفت للأنثى معناها، فليت مجتمعي الجاهل يغيّر فِكره ويتغيّر.
نتأمّل وجود شبابٍ مثقّف، شبابٍ طموحهم تحقيق العدالة، ومحاربة الظلم.
يا أمّة محمد، ارحمي من في الأرض، يرحمك من في السّماء.
إذ هناك قِصص لا تختلف كثيرا عن الخيال، أبطالها، هم أبناء مجتمعي، إذ لا يسع نصّ واحد لسردها واستيعابها.
وفي الأخير، لعلّ وعسى أجمل ما أنهي به كلامي، هو قول خير الأنام، عليه الصلاة والسّلام: {رفقًا بالقوارير}.
الاقتباس الرابع:
علاقة مُقدّسة:
العلاقة الزوجية، من أهمّ العلاقات، وأعظمها في الكون، كيف لا، والأسرة هي أساسه، ونواة المجتمع فيه، فإن صلحت، وكانت بذرة طيبة، صلح المجتمع كلّه، وإن فسدت، فسد المجتمع كلّه، والمرأة هي أساس صلاح الأسرة، التي تتحكم في أسرتها، وترتقي بها، والأمّ هي المدرسة، فإن كانت صالحة صلحت أسرتها، وصلح معها المجتمع، وإن كانت فاسدة، فسدت أسرتها، وفسد المجتمع كلّه.
المرأة أساس سلامة أسرتها، في تعاملها مع زوجها، واحترامها له، ومعاملته معاملة حسنة، تجعل من بيتها جنّة لا محالة، فتسكن الطمأنينة بيتها، وما على النّساء إلا تقدير أزواجهنّ، بحيث تبادر هي الأولى بالمعاملة الحسنة، تتجاوز عن بعض الزلاّت لكي تستطيع الاستمرار في حياتها، وتتغافل عن بعض الثغرات لكي تتخطّى جسر التّعب إلى ضفة الاطمئنان.
كوني نعم الزوجة، يكن معك نعم الزوج، كيف لا، وما جزاء الإحسان إلاّ الإحسان.
كوني طيّبة، وقويّة، تكوني أجمل امرأة في نظر زوجك، ولن يلتفت لغيرك أبدا، وبذلك تكوني أجمل ما رزق به في هذه الدنيا.
إنّ المرأة جوهرة، تنير علاقتها بزوجها، بحكمتها، ورزانتها، وحسن تصرفّها، لأنّ أساس علاقة الزوجين ببعضهما البعض المودة والرحمة، فإن لم توجد، تصير علاقتهما ناقصة، ينقصها الكثير والكثير، الذي يصعب ملأه.